Monday, April 1, 2019

صحيح نحن شخصيات معروفة ولكننا لسنا عاهرات كما يقولون

عند وصولها إلى مستشفى الشيخ زايد على بعد أربعة كيلومترات من موقع الجريمة كانت تارة قد توفيت، حسبما روت ممرضة خلال مقابلة تلفزيونية. ثلاث رصاصات أنهت حياتها؛ واحدة في الرأس، وواحدة في العنق، وأخرى في الصدر، ونقل تلفزيون الحرة أن الأطباء حاولوا إنعاشها دون جدوى.
وتداول الإعلام العراقي بيانات لوزارتي الداخلية والصحة أكدت إطلاق الرصاص على تارة فارس، 22 عاما، بحي كامب سارة في العاصمة بغداد، وأرداها هذا قتيلة.
في اليوم التالي، نشر مكتب رئيس الوزراء آنئذ، حيدر العبادي، تغريدة جاء فيها أنه وجه أوامره إلى الأجهزة الأمنية بمباشرة التحقيق فورا والوصول إلى ملابسات الحادث في غضون 48 ساعة، متعهدا بالتحقيق في جرائم قتل أخرى. فقد أشارت تقارير إعلامية إلى أن تارة كانت ثالث شابة معروفة تقتل في بغداد في غضون شهرين؛ فقد قتلت اثنتان أخريان في نفس التوقيت بعد ظهر الخميس.
كانت رفيف الياسري تعمل في عيادة "باربي كلينيك" لعمليات التجميل، كما كانت تقدم خدمات طبية بالمجان لمن يحتاج مساعدة وغير قادر على الدفع، كذلك كانت رشا حسن تدير مركز تجميل، وكانتا في الثلاثينيات من عمرهما، وقضتا نحبهما في ذات الشهر: أغسطس/آب.
صرحت وزارة الداخلية بأن رفيف الياسري ماتت "بسبب تعاطي جرعة زائدة من المخدرات"، أما رشا حسن فمن جراء مشاكل في القلب. ولكن غياب حكم حاسم بهذا الخصوص فتح المجال للتشكيك بما ذكر خاصة على وسائل التواصل الاجتماعي.
تتساءل الناشطة مريم المندلاوي، ٢٤ عاما: "رفيف كانت طبيبة، هل يعقل أن تموت بجرعة زائدة؟"، وشكك مثلها كثيرون في تلك الأسباب التي ساقتها السلطات. وفي أجواء الهلع تلك، وضع الناس وفاة تارة والمرأتين الأخريين في سياق واحد رغم عدم وجود دليل قطعي على ذلك.
بدأ الناس يتحدثون عن استهداف "المتحررات" والنساء المؤثرات على وسائل التواصل الاجتماعي، وسارعت مواقع إخبارية حول العالم لتغطية مقتل تارة والحديث عن وجود صلات محتملة بحوادث قتل أخرى.
وكان العراق قد شهد حوادث قتل كان ضحاياها من الناشطين سواء أكانوا رجالا أم نساء – شغلت وسائل الإعلام المحلية. ففي مدينة البصرة أطلق الرصاص على المحامي جبار كريم البهادلي أواخر يوليو/تموز، وكان معروفا بالدفاع عن المحتجين، وقبل يومين من مقتل تارة، قتلت الناشطة سعاد العلي، 46 عاما، بالرصاص، على مقربة من سيارتها بالبصرة بجنوب العراق، وكانت ممن شاركوا في احتجاجات البصرة على نقص الخدمات الأساسية من مياه شرب ومرافق أخرى، وعلى انتشار البطالة.
أما مقتل تارة فكان مختلفا؛ كان مخططا بعناية: في وضح النهار، في حي آمن ببغداد، وفي شارع مراقب بالكاميرات.
تقول فاتن خليل حطاب الناشطة من البصرة والبالغة 25 عاما: "عندما قتلت سعاد بكيت، وكناشطين خفنا أن يلقى نشطاء آخرون المصير ذاته. أما الحكومة فحاولت تهدئة الأمور وأشارت إلى احتمال أن يكون طليقها وراء مقتلها، كمحاولة لامتصاص الخوف".
اولنا إقناع أنفسنا بتلك الرواية. ولكن لم تمض أيام حتى قتلت تارة فارس، وكان موتها الشرارة التي نشرت الخوف في نفوس النساء؛ فمستحيل أن يكون موت تارة صدفة، ومستحيل أن يكون موت رفيف، أخصائية التجميل التي قتلت في بغداد في ظروف غامضة، صدفة، ومستحيل أن يكون مقتل امرأة أخرى بعد أسبوع تعمل أيضا في التجميل في بغداد، هي رشا حسن، في ظروف غامضة أيضا، صدفة".
ورغم إشارة رئيس الوزراء السابق لوجود صلة بين تلك الحوادث، استبعدت تصريحات رسمية وجود شبهة جنائية تحيط بكل الوفيات.
وبعد أكثر من أسبوع على مقتل تارة، صرح وزير الداخلية السابق قاسم الأعرجي بأن تارة فارس "قتلت على أيدي جماعات متطرفة معروفة لدينا، والجهود مبذولة لإلقاء القبض (على الجناة) وعرضهم أمام الشعب العراقي لينالوا جزاءهم العادل"، ملمحا إلى سرعة حل القضية.
وخلال مقابلة تلفزيونية في 11 أكتوبر/تشرين الأول قال الوزير إن هناك "معلومات مؤكدة" تشير إلى أن "مجموعة متطرفة مدربة" قتلت تارة، دون أن يسمي تلك المجموعة ولكنه أضاف أن نفس المجموعة قتلت الممثل العراقي الواعد كرار نوشي صيف عام 2017.
وأوضح أن الكاميرات رصدت الدراجة التي استقلها قاتل تارة.
وفور مقتل تارة، كانت عيوش من بين من ألقي القبض عليهم، وأرسلت إلى سجن النساء في بغداد.
أثبتت التحقيقات براءة عيوش وأطلقت السلطات سراحها. خشوا أن تكون قد قُتلت بسبب أسلوب حياتها، وتحدث بعض الشابات، اللاتي اخترن أسلوب حياة مختلفا، عن تلقيهن تهديدات بالقتل.
ونقل تلفزيون العربية عن ملكة الجمال السابقة شيماء قاسم قولها إنها تعرضت للتهديد على وسائل التواصل الاجتماعي، وبعد أيام من جريمة قتل تارة ظهرت في بث مباشر على الإنترنت وهي تبكي في منزلها في عمان بالأردن وتقول: "لست خائفة ولكن روحي سئمت". وقالت إنها شعرت بغصة لكم التعليقات التي هللت لموت تارة، لذا قررت الابتعاد عن صفحات التواصل الاجتماعي فترة.
وقالت: "لهالدرجة حياة الناس صارت رخيصة؟ صحيح نحن شخصيات معروفة ولكننا لسنا عاهرات كما يقولون".

No comments:

Post a Comment